القائمة الرئيسية

الصفحات

الطفيل بن عمرو الدوسري الفطرة الراشدة

الطفيل بن عمرو الدوسري

الفطرة الراشدة

من  دوس نشأ وسط أسرة شريفة

وأوتي موھبة الشعر، فطار بين القبائل صيته ونبوغه..
وفي مواسم عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل فج ويحتشدون ويتباھون بشعرائھم، كان الطفيل
يأخذ مكانه في المقدمة..
و كان يحضر لمكة تكراراا في غير مواسم عكاظ..
وذات مرة كان يزورھا، وقد شرع الرسول يجھر بدعوته..
وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم، ثم يضع موھبته الشعرية في خدمة الاسلام، فتكون الطامة على قريش وأصنامھا..
من أجل ذلك أحاطوا به.. وھيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبھجة والنعيم، ثم راحوا يحذرونه
 رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وها هو الطفيل ذاته يسرد لنا بقية النبأ فيقول:
" فوالله ما تركوني  حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه..
وحين غدوت الى الكعبة حشوت ّ أذني   كي لا أسمع شيئا من قوله اذا ھو تحدث..
و وجدته قائما يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبي الله الا أن

يسمعني بعض ما يقرأ، فسمعت

كلاما حسنا.. وقلت في لنفسي: والله اني لرجل لبيب شاعر، لا يخفى ّعلي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول، فان كان الذي يأتي به حسن قبلته، وان كان قبيحا   رفضته.

ومكثت حتى انصرف الى بيته، فاتبعته حتى دخل بيته، فدخلت وراءه، وقلت له: يا محمد، ان قومك قد أخبروني عنك كذا وكذا.. فوالله ما برحوا ّ يخوفوني أمرك حتى سددت ّ أذني بكرسف لئلا أستمع قولك..
ولكن الله شاء أن أسمع، فسمعت قولا حسنا، فاعرض ّ علي أمرك..
فعرض الرسول ّ علي الاسلام، وتلا ّ علي من القرآن..
فأسلمت، وشھدت شھادة الحق، وقلت: يا رسول الله: اني امرؤ مطاع في قومي واني راجع اليھم،
وداعيھم الى الاسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعھوھم اليه، فقال عليه السلام:

اللھم اجعل له آية.."

لقد أثنى المولى  عز وجل في كتابه على    " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه.."
وھا نحن أولاء نلتقي بواحد من ھؤلاء..

انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..
فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلھا الله على فؤاد رسوله، حتى تفتح كل سمعه ،  وكل قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا.. ليس ذلك فقط.. بل ّ كفل نفسه   مسؤولية دعوة أهله ،  وقومه الى  دين الحق، من أجل ھذا، نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة
واصرار، ويدعو أباه الى الاسلام بعد أن ّ حدثه عن الرسول الذي يدعو الى الله.. حدثه عن عظمته.. وعن
طھره وأمانته.. عن اخلاصه واخباته Ϳ رب العالمين..
وأسلم أبوه في الحال..

ثم انتقل الى أمه، فأسلمت

ثم الى زوجه، فأسلمت..
ولما تاكد  أن الاسلام قد عم بيته، انتقل الى قومه، من
دوس كلهم.. فلم يسلم منھم أحد

سوى أبي ھريرة رضي الله عنه..
ولقد راحوا يخذلونه، وينأون عنه، حتى نفذ صبره معھم وعليھم. فركب راحلته، وقطع الفيافي عائدا الى

رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو اليه ّ ويتزود منه بتعاليمه..

وحين جاء مكة، قصد دار الرسول تسبقه أشواقه  اليه..
وقال للنبي:   " يا رسول الله..
انه قد غلبني على دوس الزنى، والربا، فادع الله أن يھلك دوسا!!.."
وكانت مفاجأة أذھلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه الى السماء وھو يقول:
" اللھم اھد دوسا وأت بھم مسلمين!!.."
ثم التفت الى الطفيل وقال له:  " ارجع الى قومك فادعھم وارفق بھم."
ملأ ھذا المشھد نفس الطفيل روعة، وملأ روحه سلاما، وحمد اله أبلغ الحمد أن جعل ھذا الرسول  الانسان الرحيم معلمه وأستاذه. وأن جعل الاسلام دينه وملاذه.
ونھض عائدا الى أرضه وقومه وھناك راح يدعوھم الى الاسلام في أناة ورفق، كما أوصاه الرسول عليه
السلام.
وخلال الفترة التي قضاھا بين قومه، كان الرسول قد ھاجر الى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر ،احد ،والخندق
وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحھا الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين اسرة من دوس
أقبلوا على الرسول مھللين مكبّرين ..
وهم جلسوا يبايعون رسول الله..
وعندما فرغوا من مشھدھم البيعة ، وبيعتھم المباركة جلس الطفيل  يسترجع ذكرياته
تذكر يوم أتى الرسول يطلب منه أن يرفع كفيه الى السماء  ويدعو  ويقول:
اللھم اھلك دوسا، فاذا ھو يبتھل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..
ذلك ھو:   " اللھم اھد دوسا وأت بھم مسلمين!!.." ،ولقد ھدى الله دوسا..
وجاء بھم مسلمين..
وھا ھم أولاء.. ثمانون بيتا، وعائلة منھم، يشكلون أكثرية أھلھا، يأخذون مكانھم في الصفوف الطاھرة  خلف رسول الله الأمين.
ويواصل الطفيل عمله مع الجماعة المؤمنة..
ويوم فتح مكة، كان يدخلھا مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافھم زھوا وصلفا، بل يحنون جباھھم في خشوع واذلال، شكرا  الذي أثابھم فتحا قريبا، ونصرا مبينا..
ورأى الطفيل رسول الله وھو يھدم أصنام الكعبة، ويطھرھا بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه.. 

وتذكر اطفيل بن عمر  صنما هو لعمرو بن حممة. طالما كان

عمرو ھذا يصطحبه اليه حين ينزل
ضيافته، ّ فيتخشع بين يديه، ّ ويتضرع اليه!!..
فقد حانت الفرصة ليكفر الطفيل عن نفسه ذنب تلك الأيام.. ھنالك تقدم من الرسول صلى الله عليه وسلم
يطلب الإذن  في أن يذھب ليحرق صنم عمرو بن حممة و المدعو، ذا الكفين، وأذن له النبي بخرق الصنم عليه السلام..
ويذھب الطفيل ويوقد عليه النار.. وكلما خبت زادھا ضراما وھو ينشد ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبّادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا!!
اني حشوت النار في فؤادكا
وھكذا عاش مع النبي يصلي وراءه، ويتعلم منه، ويغزو معه.
وينتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول، بل انھا
لتكاد تبدأ..
وھكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل ّ يشمر لھا عن ساعد وساق، وحتى كان يخوض
غمراتھا وأھوالھا في حنان مشتاق الى الشھادة..
اشهد مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم  حروب الردة
وفي واقعة اليمامة ذهب مع المسلمين برفقة  ابنه عمرو"
ومع بدء المعركة راح يوصي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشھادة.. ،وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في ھذه المعركة.
وھكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..
لم يكن يدافع بسيفه عن حياته.
بل كان يدافع بحياته عن سيفه.
حتى اذا مات وسقط جسده، بقي السيف سليما مرھفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط صاحبھا بعد!!..
وفي تلك الموقعة استشھد الطفيل الدوسي رضي الله عنه..
وھو جسده تحت وقع الطعان، وھو ّ يلوح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام!!..    ّ يلوح له وكأنه يھيب به ليتبعه ويلحق به..
ولقد لحق به فعلا.. ولكن بعد حين..
ففي موقعة اليرموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل مجاھدا وقضى نحبه شھيدا..
وكان وھو يجود بأنفاسه، يبسط ذراعه اليمنى ويفتح كفه، كما لو كان سيصافح بھا أحدا  .

المصدر

رجال حول الرسول  صلى الله عليه وسلم

author-img
السلام عليكم زوار ايقونة المعالي اتمنى ان تتم الفائدة من هذه المدونة للجميع

تعليقات

التنقل السريع