القائمة الرئيسية

الصفحات

سھيل بن عمرو

من الطلقاء الى الشھداء

عندما وقع أسيرا بيد المسلمين في غزوة بدر اقترب عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

سھيل بن عمرو

" يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيّتي سھيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم.."
فأجابه الرسول العظيم:

" كلا يا عمر..

لا أمثل بأحد، فيمثل الله بي، وان كنت نبيا!.."

ثم أدنى عمر منه وقال عليه السلام:

" يا عمر..
لعل سھيلا غدا يقف موقفا ّ يسرك!!.."

ودارت نبوءة الرسول..و ّ تحول أعظم خطباء قريش سھيل بن عمرو الى خطيب باھرمن خطباء الاسلام.

ّ وتحول العدو اللدود.. الى تقي ّ أواب، لا تتوقف عيناه من البكاء ،  لخشية الله!!..
ّ وكان   من كبار   قريش ومن قادة جيوشھا  وصار  مقاتل صلب أخلص نفسه  للإسلام وبأن يبقى  مرابطا ومجاهدا حتى يأتيه  الموت في سبيل الله تعالى ، عسى أن يغفر
الله له ما تقدم من ذنبه!!..

فمن كان ذلك المشرك العنيد، والمؤمن التقي الشھيد..؟؟
 

انه سھيل بن عمرو..

واحد من زعماء قريش ، ومن حكمائھا ومن ذوي الفطنة والرأي فيھا..
وھو الذي كلفته قريش ليقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع عن دخول مكة عام الحديبية..

ففي أواخر  ا لعام السادس هجري  خرج الرسول وأصحابه الى مكة ليزوروا البيت الحرام، ويقوموا  بعمرة، لا يريدون حربا، ولا  قتال..

وعلمت قريش بمسيرھم الى مكة، فخرجت لتقطع  عليھم الطريق، ّ وتصدھم عن

وجھتھم..
وتأزم الموقف، وتوترت الأنفس..
وقال الرسول لأصحابه:
" لا تدعوني قريش اليوم الى خطة يسألونني فيھا صلة الرحم الا أعطيتھم اياھا.."

وراحت قريش ترسل رسلھا وسفرائها الى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيعلمھم  بأنه لم يأت للقتال،
بل أتى يزور بيت الله الحرام، ويعظم شعائره و حرماته:وكلما رجع  لقريش سفيرها، أرسلولتمن   آخر أقوى شكيمة منه بعده، وأكثر اقناعا حتى اختاروا عروة بن مسعود الثقفي وهو من أقواھم وأفطنھم.. وظنت قريش أن عروة قادر على اقناع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرجوع.ولكن  سرعان ما عاد    يقول لھم:
" يا معشر قريش..
اني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه..واني والله ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه، كما يعظم أصحاب محمد محمدا..!!
ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا..
فانظروا رأيكم!!.."عندئذ أيقنت قريش بأنه لا سبيل   لمحاولاتھا وقرر زعماء قريش أن تلجؤ   للمفاوضة والصلح.. وقدموا لھا أصلح زعمائھا لتفاوض .. وهو سھيل بن عمرو..
رأى المسلمون سھيلا وھو قادم عليھم فعرفوه، وفهموا أن قريشا لجأت لطريق التفاھم والمصالحة، ما دامت أرسلت آخر الأمر سھيلا..
وجلس سھيل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وجرا حوار طويل بينهما  ال و إنتھى بالصلح.. واراد سھيل أن يكسب  قريش الكثير.. وأعانه على ذلك،  تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح..
ومضت الأيام، ينادي ، جتى جاءت السنة الثامنة من الھجرة.. وخرج الرسول والمسلمون
لفتح مكة بعد أن نفضت قريش عھدھا وميثاقھا للمسلمين.ورجع المھاجرون لوطنھم الذين أخرجوھم منه من قبل كارھين..
رجعو، ومعھم الأنصار ا
وعاد الاسلام كله،وإنتصر الحق على الباطل، وفتحت مكة جميع أبوابھا..ووقف المشركون في ذھول.. ترى ماذا سيكون اليوم مصيرھم، وھم الذين أعملوا بأسھم في المسلمين
من قبل قتلا، وحرقا، وتعذيبا، وتجويعا..؟!ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركھم طويلا تحت وطأة ھذه المشاعر المذلة المنھكة.
فاستقبل وجوھھم في تسامح وأناة، وقال لھم ونبرات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا:
" يا معشر قريش..
ما تظنون أني فاعل بكم.."؟؟ھنالك تقدم خصم الاسلام بالأمس سھيل بن عمرو وقال مجيبا:
" نظن خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم." 

وعلت ابتسامة من نورالنبوة على شفتي حبيب الله  محمد صلى الله عليه وسلم وناداھم:

" اذھبوا...فأنتم الطلقاء"!!..
لم تكن ھذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع انسانا ّ حي المشاعر الا أحالته ذوبا من طاعة وخجل، بل وندم..وفي نفس اللحظة استجاش ھذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة، كل مشاعر سھيل بن عمرو فأسلم لرب العالمين.
ولم يكن اسلامه  ، اسلام رجل منھزم مستسلم للمقادير.بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد اسلام رجل بھرته وأسرته عظمة محمد وعظمة الدين الاسلامي الذي يتصرف محمد وفق تعاليمه، ويحمل في ولاء ھائل رايته ولواءه!!..

أطلق على من أسلموا يوم  فتح  مكة اسم الطلقاء.. أي قد نقلھم عفو الرسول صلى الله عليه وسلم  من الشرك الى دين الاسلام
حين قال لھم:


" اذھبوا فأنتم الطلقاء"

بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا ھذا الخط باخلاصھم الوثيق، وسموا الى آفاق بعيدة من التضحية
والتقى والإخلاص، وأصبحو في الصفوف الأولى مع أصحاب الرسول  الأبرار ومنهم  سھيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه .

لقد صاغه الاسلام من جديد.
وجعله  في خدمة الحق، والخير، والايمان..
ولقد وصفوه   بكلمات فقالوا:" ّ السمح، الجواد..
كثير الصلاة، والصوم، والصدقة، وقراءة القرآن، والبكاء من خشية الله!!.."
وتلك ھي عظمة سھيل.
فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح، لا قبله، نراه يصدق في اسلامه وفي يقينه، الى مدى الذي ّ يتفوق فيهعلى كل نفسه، ّ ويتحول الى عابد، زاھد والى فدائي مجاھد في سبيل الله والاسلام.
وعندما  انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى ربه، لم يكد النبأ يبلغ مكة، وكان سھيل يومئذ مقيما بھا ، حتى غشي المسلمين   من الھرج والذھولمثل الذي   غشي المسلمين بالمدينة المنورة.
والذي بدده أبو بكر رضي الله عنه حينها  بكلماته الحاسمة:

" من كان يعبد محمد، فان محمدا قد مات..

ومن كان يعبد الله، فان الله ّ حي لا يموت.."
  ووقف  سھيلا رضي الله عنه  بمكة، مثل  موقف أبي بكر الصديق  بالمدينة.
  إنه جمع المسلمين  ، وخطب فيهم، يخبرھم أن محمدا هو رسول الله حقا..

وأنه ما مات حتى ّ أدى الأمانة، وبلّغ الرسالة.  واجب المؤمنين   بعده  هوالسير على منھجه وسنته صلى الله عليه وسلم   .
وبموقفه   ھذا، وبكلماته الرشيدة وايمانه الوثيق، أخمد الفتنة التي كادت تقلع ايمان البعض بمكة حين بلغھم نبأ وفاة الرسول..!!
وفي ھذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلىالله عليه وسلم فيه   . 
عندما أسلم سھيل يوم الفتح.وبعد أن ذاق حلاوة الايمان، أخذ على نفسه عھدا لخصه في ھذه الكلمات:
" والله لا أدع موقفا من المشركين، الا وقفت مع المسلمين مثله... ولا نفقة أنفقتھا مع المشركين الا أنفقت مع المسلمين مثلھا، لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا.."!!ولقد وقف مع المشركين طويلا أمام أصنامھم..
وھكذا راح يصلي.. ويصلي..ويصوم.. ويصوم..
ولا يدع عبادة وتقربه من ربه الأعلى الا نال منھا حظا وكبير.
وكما كانمن قبل يقف مع المشركين في العدوان والحرب ضد  دين  الاسلام.
فليأخذ الآن مكانه في جيش الاسلام، مقاتلا شجاعا، يطفئ مع كتائب الحق نار فارس التي يعبدونھا من دون الله، ويحرقون فيھا مصاير الشعوب التي يستعبدونھا. ويزئر  مع كتائب الحق والفلاح   على   الرومان وظلمھم   ..وينشر كلمة التوحيد والتقوى في كل مكان.وھكذا خرج الى الشام مع جيوش المسلمين، مشاركا في حروبھا.
ويوم اليرموك حيث خاض المسلمون موقعة تناھت في الضراوة والعنف والمخاطرة..
كان يحب  مكة حبا   كبير.
ومع ذلك، فقد أبى أن يرجع اليھا بعد انتصار المسلمين بالشام وقال:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة، خير له من عمله طوالعمره.. واني لمرابط في سبيل الله حتى أموت، ولن أرجع الى مكة!!.."

ووفى سھيل عھده..

وقد ظل بقيّة حياته  في سبيل الله مرابطا، حتى أتاه موعد رحيله رضي الله عنه وأسكنه فسيح  جنانه، وصعدت  روحه الطاهرة  مسرعة الى رحمة الله ورضوان..

  والحمد لله رب العالمين ان تم هذا البحث

  المصدر: 

 كتاب رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم .

author-img
السلام عليكم زوار ايقونة المعالي اتمنى ان تتم الفائدة من هذه المدونة للجميع

تعليقات

التنقل السريع