القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 

 عميروش آيت حمودة

- مولد عميروش ونشأته:

 
عميروش آيت حمودة الذي أصوله من قرية أذرار سيدي يدير بإلماين التابعة حاليا لدائرة جعافرة ولاية برج بوعريريج، حيث هاجر أحد أجداده وهو سي يحي أوحمودة سنة 1742م إلى قرية تاسيفت أقمون بعرش بني واسيف بجبال جرجرة، التابعة حاليا لعين الحمام بولاية تيزي وزو، والتي ولد فيها في 31 أكتوبر 1926م، من عائلة متواضعة وفقيرة، أمه هي السّيدة فاطمة آيت منداس، المولودة في قرية إيغيل بوعماس، القريبة من قرية مولده، ووالده هو السيد آيت حمودة عميروش بن أحمد بن سليمان، من مواليد 1853م، وقد توفي في شهر أوت عام 1926م نتيجة الأوضاع الاجتماعية، والصّحية التي كان يعاني منها أغلبية الجزائريين آنذاك، فأخذ عميروش لقب أبيه المتوفي، وترعرع يتيم الأب مع الأم وشقيق أكبر منه هو "بوسعد" المولود في 24 أفريل 1923م، فرحلت الأم نحو قرية إيغيل بوعماس، أين يوجد أخوال ولديها، علّها تجد ما تسد به رمق طفليها وتسترهما من العراء، وكان عميروش آنذاك يبلغ من العمر حوالي ثلاثة أشهر، وكادت تهلك مع أطفالها في الطريق حيث تراكمت الثلوج، كما أن أهلها كانوا على درجة كبيرة من الفقر، فنشأ عميروش في ظروف جد قاسية، حيث مارس حرفة الرّعي مع أخيه بوسعد، للمساعدة في إعالة العائلة والتخفيف عن الوالدة، التي استطاعت أن تربي وتعتني بولديها ، وتدخلهما المدرسة الفرنسية بالقرية. 


عميروش آيت حمودة



 
وعندما بلغ السادسة عشر من عمره انتقل عميروش رفقة عمه "بلعيد" إلى وادي الفضة بولاية الشلف حاليا، ليعمل معه كطباخ لعدة سنوات، وأثناء هذه الفترة تعلّم حرفة الخياطة، ثم اتّجه بعدها إلى عين تادلس بولاية مستغانم حاليا، حيث مكث فيها بضعة أشهر قصد العمل، غير أن الأمور لم تكن على ما يرام فغادرها إلى "بوقيراط" بالولاية نفسها، حيث اشترك في التّجارة لمدّة عام واحد مع أحد الأشخاص هو "حمدي إبراهيم”من "بني يني" وهي قرية بولاية تيزي وزو حاليا، ، ثم افترقا وغادرها من جديد نحو مدينة غليزان، وهناك اشترى محلا صغيرا لبيع الحلي، وعمل بالاشتراك مع أخيه بوسعد، فكانت تجارتهما مزدهرة، وكانت جل مداخيله مخصصة لمساعدة الغير وإسعاف مناضلي القضية الوطنية، وكان يرى بأن مستقبله هو في السّياسة وفي النضال السري.
وعندما بلغ اثنتين وعشرين سنة قام عمه بلعيد بتزويجه من ابنته ”وردية“، وذلك لتحميله المسؤولية العائلية، وجعله يهتم بأسرته التي عرفت في 15 جويلية 1949م، أول وآخر ولد لها، والذي سمي "عمران" والمدعو "نور الدين”، غير أن الرجل ظل يناضل ويضحي بماله، وجهده، من أجل الأهداف الوطنية التي كان قد تشبع بها.
 

- النشاط السياسي لعميروش قبل الثورة بالجزائر:

 
بدأ نشاطه بغليزان، عام 1947م في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية MTLD بزعامة مصالي الحاج، وهذا بعد اكتشافه لأهمية العمل السياسي الوطني لخدمة القضية الجزائرية من خلال احتكاكه بمناضلي الحركة، وقد وجد ضالته في أفكار هذه الحركة التي كانت مبنية أساسا على الدعوة إلى استقلال الجزائر، والانعتاق من الظلم الاستعماري، الذي عانى منه كثيرا منذ صغره، ولكونه مناضلا ملتهب الحماس، ونشاطه مكثفا وملحوظا،
ما جعل السلطات الفرنسية تعتقله لما كان يحتج ويعارض التزوير الذي وقع منها في انتخابات المجلس الجزائري عام 1948م، كما انظمّ كذلك إلى المنظمة الخاصة التي ظهرت عقب مؤتمر حركة الانتصار MTLD الذي انعقد في 15 فيفري 1947م، وبعد اكتشاف المنظمة في 18مارس 1950م، من طرف الشرطة الفرنسية، واعتقال عدد كبير من أعضائها، وعلى إثر المضايقات والتوقيفات اليومية، فقد بات من الضروري على عميروش ورفاقه وبتوجيه من الحزب أن يغادروا الوطن، إلى فرنسا في نوفمبر 1950م,
- النّشاط السّياسيّ لعميروش قبل الثورة في فرنسا:
وما إن استقرّوا في عملهم وإقامتهم في فرنسا حتى عادوا إلى ممارسة نشاطهم السياسي في حركة الانتصار ، وأثناءه تعرّض عميروش لاعتداء جسدي من طرف مناضلين متطرفين، ولإيجاد مجال لنشاطه هو ورفاقه من المنظمة الخاصة، انخرطوا ضمن الشعبة المركزية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بباريس، حيث لن يجدوا مجالا خيرا منها، والتي تأسست مع مطلع الخمسينات حيث انتشرت بسرعة هناك، ، وكان عميروش يتميز بقوة الإقناع والتوعية، وقد أظهر موهبة عالية في التنظيم وتأمين اللقاءات على رأس مجموعة من المناضلين، إلى جانب توزيع وبيع جرائد جمعية العلماء، وفي هذه الأثناء تفتحت شهيته لتعلم اللغة العربية فعمل على تحصيل ما تيسر له منها.
وفي مارس 1954م قام ديدوش مراد بتأسيس فرع للّجنة الثورية بباريس، رفقة عميروش ورفاقه من المنظمة الخاصة، وتحت شعار: الثورة، الوحدة، العمل، وهي الرموز التي تبناها عميروش دائما وعمل بها، كان دوره هو حشد المناضلين الراديكاليين، وتحضيرهم للعمل المسلح الذي بات وشيكا، وبعد فشل اللجنة الثورية في الإصلاح بين طرفي الحزب المتخاصمين، اتفق أعضاؤها على ضرورة التعجيل بتفجير الثورة لتجاوز الأزمة، فتم تحويل اللجنة الثورية الى جبهة وجيش التحرير الوطنيين، كما تم تقسيم التراب الوطني إلى خمس مناطق، والمناطق إلى نواحي والنواحي إلى أقسام، وحددت ليلة الفاتح من نوفمبر 1954م لانطلاق الثورة التحريرية المباركة، وبالتأكيد فإن بطلنا عميروش ورفاقه وبطلب من مسؤولي الثورة سيعودون إلى الجزائر ليلتحقوا بإخوانهم المجاهدين بعد اندلاعها مباشرة.
-التحاق عميروش بالثورة، وتنظيمها في القبائل الصغرى:
وبعد اندلاع الثورة التحريرية بأسبوعين فقط عاد عميروش إلى أرض الوطن، ولكونه عضوا سابقا بالمنظمة الخاصة ويعرف مسؤولي الثورة بالناحية، يلتحق بإخوانه المجاهدين بناحية عين الحمام (ميشلي سابقا)، ومع بداية تجنيده أبدى عميروش قدرة كبيرة في تنظيم الجهاد، مما جعله يتدرج في المسؤوليات بالناحية، وكذا قربه من اعمر آيت الشيخ، قائده المباشر الذي أعجب به وبنشاطه، وشجاعته، وحرصــــه على النّجاح في المهــــــــام التي أوكلت إليه بالمنطقة في أواخر 1954م ومطلع 1955م، والمتمثلة في بعض الهجومات والعمليات، كما قيل أنه كلّف بصحبة شاب آخر بتبليغ أربعة رشاشات إلى ناحية الصّومام بالقبائل الصغرى، التي تأخرت فيها الثورة ولم تشارك قي عمليات أول نوفمبر، لكن من دون ذكر لمن تم توصيلها، هذا إلى جانب تكوين عميروش السّياسي والعسكري العالي آنذاك، ما أهله للمشاركة بفعالية في وضع قاعدة متينة للثّورة عن طريق كسب التأييد لها ونشرها في المنطقة.
ومن جهة أخرى ولأنه كان يعرف العديد من أبناء المنطقة خاصّة المغتربين منهم أمثال عبد الرحمان ميرة، والعربي بن تواتي (من القلة)، وعيسى حميطوش البونداوي، وقاسي حماي...وآخرين، والذين نشط معهم سياسيا في الجزائر أو فرنسا، خاصة في المنظمة السرية، كل هذا جعل قيادة المنطقة الثالثة وعلى رأسها كريم بلقاسم، تكلف المساعد عميروش على رأس مجلس قيادة ناحيتي غرب وشرق الصومام (الثالثة والرابعة) وتنظيم الثورة بهما، وهذا في شهر مارس 1955م، عميروش وبفضل العمل الجبار الذي يقوم به، سيرقى إلى ملازم، ثم إلى نقيب قبل مؤتمر الصومام، ثم رائدا في المؤتمر، وعقيدا في صيف 1957م.
وقد اتخذ عميروش وفريقه منذ البداية كمقر لهم في جهة البيبان، بقرى آيث عباس منها ويزران، وثوريرث، بوثواب، بلعيال، القلعة، شكبو..، ومنها يشرفون على عملية تنظيم الثورة في مختلف قرى وأقسام ناحيتي منطقة الصومام الغربية والشرقية، من جرجرة غربا الى حدود جبال البابور بسطيف شرقا، ومن البحر شمالا إلى المسيلة وبرج بوعريريج جنوبا، وخلال النصف الثاني من سنة 1955م وبداية سنة 1956م، تمكن مع رفاقه من تبليغ بيان أول نوفمبر، وشرح أسلوب وأهداف الثورة، وتم تشكيل وتنظيم الخلايا: مسؤول النظام، مسؤول المسبلين، المكلف بالاتصال، مسؤول التموين، المسؤول السياسي، وتم تشكيل فرق المسبلين، ومع بداية انتشار العمل الثوري، وإقبال السكان عليه، وكثرة تردد جيش التحرير على القرى، أحس الفرنسيون بالخطر المحدق بهم، فقاموا في خريف 1955م بإنشاء عدة مراكز عسكرية في معظم الجهات، ونتيجة للضغط الذي فرضته العمليات العسكرية للمجاهدين على المصالح الفرنسية، اضطرت بداية 1956م إلى الانسحاب التكتيكي والتمركز في مناطق هامشية في انتظار التخطيط للعودة من جديد ، وخلالها استطاع جيش التحرير الوطني أن ينظم صفوفه، ويتغلغل إلى أعماق الطبقات الشعبية، فتم في معظم القرى والمدن تشكيل التنظيم الثوري، وتدعيم الفصائل بعناصر جديدة، وتنظيم التموين، وتدعيم الجيش بممرضين وأطباء، وإقامة المخابئ، والمستشفيات السرية في كل الجهات.
وخلال هذه الفترة بين نهاية 1955م وبداية 1956م، أصيب الجيش الفرنسي بهزائم نكراء في عمليات ومعارك كبرى، ومنها قيام جيش التحرير بهجومات على مراكز الدرك، ومزارع الكولون خاصة في مجانة، وعين السلطان، وسيدي مبارك..، والاستيلاء على مواشيهم، ونقلها إلى قرى الماين، والجعافرة، وبوثواب، وبلعيال...
وخلالها تمكن الملازم عميروش ورفاقه بمطاردة جماعة المصاليين بجهة حيزر بالبويرة، ثم بآيث يعلى(قنزات) بالقرقور، وفي هذه القضية كان الاتصال والتنسيق مع مسؤولي المنطقة الأولى الأوراس، حيث تم إرسال و استقبال عدة وفود مثل وفد الأوراس الذي يتكون من حوالي خمسة وسبعين مجاهدا بقيادة عمر بن بولعيد (أخ مصطفى بن بولعيد)، خلال شهر ماي 1956م، وخلالها أيضا تمكن عميروش ورفاقه من مواجهة مخططات العدو، ومن أشهرها عملية الأمل والبندقية(ديفور)، التي كانت من أولى العمليات الكبيرة على منطقة البيبان والقرقور، وكذلك قاموا بتحضير وتنظيم وتأمين انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 على تراب المنطقة، وبعد المؤتمر مباشرة الرائد عميروش، ونائبه العربي بن تواتي، وأعضاء الوفد في مهمة بالولاية الأولى (الأوراس) من 3 سبتمبر إلى 22 أكتوبر 1956م، لتنظيم الولاية الأولى حسب قرارات مؤتمر الصومام، وللتحقيق في مقتل مسؤول الولاية مصطفى بن بولعيد،
وبعدها وفي بداية سنة 1957 يتوجهان إلى تونس لإكمال مهمة الأوراس، وإيصال تقريرها إلى مسؤولي الثورة هناك، وأيضا من أجل إعداد قوافل جلب السلاح من تونس إلى الولاية الثالثة، وكذلك التكفل هناك بطلبة، ومرضى الولاية الثالثة، وبعد العودة من مهمة تونس عميروش يتكفل بالتحقيق في قضية بني يلمان، التي وقعت يوم 28 ماي 1957م، كما يشرف على معالجة قضية رفيقه النقيب عيسى حميطوش-البونداوي-.
- العقيد عميروش آيت حمودة على رأس الولاية الثالثة:
في صيف سنة 1957 يكلف العقيد عميروش بقيادة الولاية الثالثة، خلفا للعقيد محمدي السعيد، ومع نوابه أكلي محند والحاج، أحمد فضال، حسن محيوز..، يواصل إنجازاته العسكرية والتنظيمية التي حققها أثناء قيادة ناحيتي الصومام، ويقوم بعمليات كبيرة ضد العدو، ومنها عملية إخلاء مركز الحوران العسكري الفرنسي المتواجد بحمام الضلعة شمال المسيلة في 04 فيفري 1958م، ويكتشف عملية الزرق بداية سنة 1958م، والتي خططت لها المخابرات الفرنسية لاختراق جيش التحرير، لذلك ولإنقاذ الثورة من الاختناق يقوم بدعوة العقداء لاجتماع الطاهير بالشمال القسنطيني من 06 إلى 12ديسمبر 1958.  

-

 
وبعد اجتماعه بإطارات الولاية الثالثة بداية شهر مارس 1959م، مباشرة انتقل العقيد عميروش مع مرافقيه إلى الولاية السادسة، والتقى بالعقيد الحواس، للذهاب معا إلى تونس، وفي الطريق وبجبل ثامر ببوسعادة، حاصرتهم قوات الجيش الفرنسي يوم 28 مارس 1959م، وبعد اشتباك عنيف استشهد العقيدان، مع خمسة وثلاثين مجاهدا من مرافقيهم، وبعدها عرض الجيش الفرنسي جثث الشهداء للإشهار والتشفي، كما استحضر عم عميروش إلى بوسعادة للتأكد من أنه بالفعل هو الذي تم القضاء عليه، وبعد الاستقلال وطيلة سنوات الستينات والسبعينات لم يتم إعادة الدفن الرسمي الذي يليق بمقامهما، إلى أن جاء الرئيس الشادلي بن جديد فقام بدفن رفاتهما سنة 1980م بمقبرة العالية.
- جوانب من شخصية عميروش آيت حمودة:
كان عميروش أحد ألمع قادة الثورة التحريرية، فكان مثالا في الوطنية، وقوة الإيمان بالله، والتضحية بالمصلحة الخاصة في سبيل المصلحة العامة، يرفق بجنوده ويسهر على راحتهم، ويرفض أن يتميز عنهم في شيء، حريصا على توحيد الشعب وتوثيق الصلة معه، يمقت العنصرية ويحارب الجهوية. وكان نموذجا في الاستقامة، صريحا، حازما، صارما، لا يتسامح فيما يضر بالثورة أو بالسير الحسن للعمليات العسكرية، صاحب فراسة في اختيار الرجال وإسناد المهام، بارعا في التخطيط، والتنظيم، يعمل في سرية تامة، وكان وطنيا ملتزما بالإسلام، يحترم العلماء والمثقفين، ويكره الدروشة، والخضوع والخنوع، وكان يريد أن يبقى الإسلام صحيحا نقيا لا تشوبه شائبة، ويود أن ينشر هذه الروح بين جنوده، وكان بعيد النظر يرسل طلبة العلم إلى دول المشرق لتكوين إطارات الجزائر المستقلة.
 
 
عبد المجيد بن تواتي
من كتاب ضباط ومسؤولو المنطقة الأولى (منطقة شرق الصومام)، من الولاية الثالثة التاريخية خلال ثورة التحرير 1954-1962
 

 المصدر    

 صفحة   تاريخ منطقة محجّر-بوسلّام-الصّومام
author-img
السلام عليكم زوار ايقونة المعالي اتمنى ان تتم الفائدة من هذه المدونة للجميع

تعليقات

التنقل السريع