اختبار"تورنج" Turing
مما لا شك فيه أن معظم الإجابات المشهورة عن السؤال الخاص
بتحديد ماهية الهدف الرئيسي للذكاء الاصطناعي تم تقديمها من
خلال ما يسمى باختبار "تورنج"، وسمي هذا الاختبار بهذا الاسم
نسبة إلى "آلان تورنج" الذي لم يقصد مطلقا أن يكون ذلك اختبارا ففي الواقع هناك العديد من التفسيرات الخاطئة حول "آلان تورنج"
والاختبار المنسوب إليه ذلك الاختبار
الذي يكون من الأدق أن نطلق عليه اسم المبدأ الأساسي للذكاء الاصطناعي وإرضاء لفضول القارئ سيتم عرض القصة بأكملها بشيء من التفصيل،
مما لا شك فيه أن "آلان تورنج" كان عبقريًا فعقب تخرجه بعد
دراسة علم الرياضيات بفترة وجيزة في "كينجز كولدج" بجامعة
كامبريدج. أجرى بحئًا شرفي عام ١٩٣٦ أحدث ثورة في فهم
طبيعة علم الرياضيات، وقد كان هذا الأمر كافيا بالنسبة لعبقري
متوسط المستوى، ولكن بالنسبة له كان مجرد بداية ففي أثناء
الحرب العالمية الثانية وتحديدا في سبتمبر عام ١٩٣٩ تم إخفاء
"تورنج" وعدد من المفكرين والعلماء البارعين من جانب الجيش
البريطاني في أحد المنازل التي صادرتها الدولة والذي أطلق عليه
اسم "بلتشلي بارك"، وهذا المنزل هو الآن جزع من ضاحية "ميلتون كينز" بجنوب إنجلترا.
هناك كان هؤلاء العلماء يعملون على فك رموز الشفرة
الخاصة بالجيش الألماني والمعروفة باسم Enigma وقد حققوا نجاخًا باهرا في هذا الصدد، أما "تورنج"، فقد لعب دورا رئيسين في فهم كيفية فك رموز تلك الشفرة.
لقد كانت فكرة فك هذه الشفرة أمرا بعيد المنال حتى من قبل الألمان أنفسهم، حتى عند نهاية الحرب، عندما اتضح أن دول الحلفاء كانت لديها معرفة مسبقة بتحركات الجيش الألماني كانت القيادة العليا للجيش الألماني تبحث عن خونة في صفوفها بدلاً من اللجوء إلى القدرة على فك الشفرة.
لبريطاني على فك شفرات معظم الرسائل السرية الخاصة بالأمان كانت السبب الرئيسي وراء الفوز بالحرب حتى أكثر المؤرخين تحفظا قد أقروا أن هذا الإنجاز قد قلل من طول فترة الحرب بعام على الأقل، والأمر الأقل إيضاحَا في هذا المثال هو أن الأمر برمته ظل في منتهى السرية، ففي الواقع لم تتضح حقيقة ما كان يجري في المنزل سالف الذكر سوى في الثمانينيات من القرن الماضي كما أن بعض جوانب هذا الأمر لا تزال سرية حتى الآن. والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للأغراض المعاصرة
يتمثل في أن عملية فك الشفرة تضمنت استخدام آلات مثلت
الأشكال الأولية لأجهزة الكمبيوتر الحديثة. وقد سميت هذه الشفرة
أدى ذلك الأمر إلى وضع "تورنج" وزملائه في موقف عصيب،
فلقد كانت لديهم حينئذ المعرفة الكافية لتصميم أجهزة كمبيوتر فعالة.
لكنهم لم يمكنهم بالفعل الإفصاح عن كيفية معرفتهم بذلك، ولا
يمكنهم حتى مجرد الإشارة مطلقا إلى رؤيتهم مثل هذه الآلات وكيفية عملها بصورة يومية عندما كانوا في "بلتشلي بارك" وفي نهاية الأمر، نجح فريق صغير من العلماء في تصميم آلة بجامعة ماتشستر.
وقد كانت هذه الآلة مثابة نواة لجميع أجهزة الكمبيوتر الحديثة
وفي عام ١٩٤٨ قام "آلان تورنج" بكتابة برامج لتشغيل هذه الآلة فضلاً عن ذلك قام بإعداد بحث يتناول موضوع الذكاء والآلات. وأدى هذا البحث إلى طرح أفكار عرفت فيما بعد باسم اختبار "تورنج"
تم نشر هذا البحث سالف الذكر في عام ١٩٥ بإحدى الصحف
البريطانية وجدير بالملاحظة أن ذلك البحث الذي أجراهة"تورنج" والذي يعد أحد علماء الرياضيات وأحد المشاركين في فك الشفرات
وبرمجة أجهزة الكمبيوتر ، تم نشره في صحيفة فلسفية، وهكذا
تتجلى الطبيعة المتشعبة للذكاء الاصطناعي منذ بداية ظهوره
في هذا البحث موضوع النقاش. يفصح "تورنج" عن رغبته في
مناقشة السؤال التالي: "هل بإمكان الآلة التفكير؛"، ونظرا لأن
السؤال شديد الغموض فقد اقترح الإجابة عنه من خلال لعبة تسمى "لعبة التقليد أو المحاكاة" وتتضمن هذه اللعبة وجود ثلاثة أفراد كل منهم في غرفة منفصلة عن الآخر ولا يمكنهم التواصل إلا من خلال كتابة رسائل لبعضهم البعض في الصورة الأولية لهذه اللعبة كان الأفراد الثلاثة عبارة عن رجل وامرأة ومحقق - لا يهم نوعه سواغ أكان رجلا أم امرأة يكن للمحقق كما هو واضح من اسمه طرح أي سؤال على المشاركين الآخرين يتمثل هدف هذه اللعبة بالنسبة لكل من الرجل والمرأة. في إقناع المحقق بأن المتحدث هو المرأة وتجيب المرأة عن أسئلة المحقق بثقة أما الرجل فيكتب رسائل تشكك في مصداقيتها لكي يقنع المحقق أنه هو المرأة بعد ذلك يطرح "تورنج" سؤالاً مهما وهو "ماذا عسانا أن نقول إذا ما قامت الآلة بأداء دور الرجل في هذه اللعبة بنجاح؟!". إذا ما تمكنا من تصميم
آلات يمكنها القيام بذلك على نحو جيد،
فستكون هذه الآلات عبارة
من القدرةالموجودة الآن في إحدى الشرائح الإليكترونية بالغة الصغر لقد كان "تورنج" محققا بشأن تنبؤه حول تطور قدرة أجهزة الكمبيوتر ومع ذلك لا يوجد حتى الآن جهاز كمبيوتر على درجة كافية من الجودة تمكنه من اجتياز لعبة التقليد بنجاح ، وخلال الحمسينيات من القرن الماضي اتجهت اهتمامات "تورنج" وأبحاثه نحو الأسس الرياضية
لعلم الأحياء - وهو المجال الذي بدأ في جذب باحثي الذكا،
الاصطناعي مرة أخرى في التسعينيات.
المصدر
كتاب الذكاء الاصطناعي
تعليقات
إرسال تعليق