سورة غافر مكتوبة - القران الكريم
سورة غافر :
من الوحي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
حم
تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ
تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِرَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ
ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِيَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ
وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُيَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُأَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم
مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ
وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌيَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ
جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِوَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ
مُّرْتَابٌالَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ
لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء
الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ
يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ
إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَاللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لّا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَهُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ
ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ
عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَاللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِؤُونفَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ
تفسير السعدي
(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
" تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم "
تنزيل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله- عز وجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق, العليم بكل شيء.
" غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير "
غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق.
" ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد "
ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله, ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا توحيده, فلا يغررك- يا محمد- ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب, ونعيم الدنيا وزهرتها.
" كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب "
كذبت قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ومن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود, حيث عزموا على إيذائهم وتجمعوا عليهم بالتعذيب أو القتل, وهمت كل أمة من
" وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار "
وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذبت رسلها, حق على الذين كفروا أنهم
" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "
الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومن حول العرش ممن يحف به منهم, ينزهون الله عن كل نقص, ويحمدونه بما هو أهل له, ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام, وجنبهم عذاب
" ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم "
ربنا وادخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومن صلح بالإيمان والعمل الصالح من
إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه
" وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم "
واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصرف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز
" إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون "
إن الجاحدين بالله عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يمقتون أنفسهم أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط الله وعذابه.
" قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل "
فال الكافرون: ربنا أمتنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نطفا قبل نفخ الروح, وحين انقضى أجلنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم ولدنا, ويوم بعثنا من قبورنا, فنحن الآن نقر بأخطائنا السابقة؟ فهل لنا من طريق نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؟ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.
" ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير "
ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يجعل لله شريك تصدقوا بذلك, وتعملوا به فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من
" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب "
هو الذي يظهر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها, وينزل لكم من الماء مطرا ترزقون به, وما يتذكر بهذه الآيات إلا من يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة.
" فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "
فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء, وخالفوا المشركين في مسلكهم, ولو أغضبهم ذلك, فلا تبالوا بهم.
" رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق "
إن الله هو العلي الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعا باين به مخلوقاته, وارتفع به قدره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؟ لتخوف الرسل عباد الله, وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.
" يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "
يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته
" اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب "
اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته.
إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؟ فإنه قريب.
" وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع "
وحذر- يا محمد- الناس من يوم القيامة القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب
العباد من مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غما وحزنا.
ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب
له.
" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور "
يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.
" والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير "
والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يعبدون من دون
الله من الآلهة لا يقضون بشيء؟ لعجزهم عن ذلك.
إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم.
" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد
أولم يسر في الأرض هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد, فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشا, وأبقى في الأرض أثارا, فلم تنفعهم شدة قواهم وظ
" ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب "
ذلك العذاب الذي حل بالمكذبين السابقين, كان بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا بهم, وكذبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه
" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين "
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أرسل به, وحجة واضحة بينة على صدقه في دعوته, وبطلان ما كان عليه من أرسل إليهم.
" إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب "
إلى فرعون ملك مصرا, وهامان, وزيره, وقارون صاحب الأموال والكنوز, فأنكروا رسالته واستكبروا, وقالوا عنه: إنه ساحر كذاب, فكيف يزعم أنه أرسل للناس رسولا؟
" فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما
فلما جاء مؤسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة من عندنا, لم يكتفوا
بمعارضتها وإنكارها, بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه, واستبقوا نساءهم
للخدمة والاسترتاق.
وما تدبير أهل الكفر إلا في ذهاب وهلاك.
" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد "
وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى, ليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا, فيمنعه منا, إني أخاف أن يبدل دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يظهر في أرض " مصر "
" وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب "
وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.
" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب "
وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون, يكتم إيمانه منكرا على قومه: كيف تستحلون قتل
" يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال
يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في الأرض على بني إسرائيل, فمن يدفع عنا عذاب الله إن حل بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.
" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب "
وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون, وملئه واعظا ومحذرا: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على أنبيائهم.
" مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد "
مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب
وما الله سبحانه يريد ظلما للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه تعالى الله عن الظلم والنقص علوا كبيرا.
" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد "
ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم ينادي فيه بعض الناس بعضا; من هول الموقف يوم
" يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد "
يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم.
ومن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق
والصواب.
" ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب "
ولقد أرسل الله إليكم النبي الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مم
" الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "
الذين يخاصمون في أيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة, كبر ذلك الجدال مقتا عند الله وعند الذين آمنوا, كما ختم بالضلال وحجب عن الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب "
وقال فرعون مكذبا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان إبن لي بناء عظيما; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها,
" أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب "
فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبا في دعواه أن لنا ربا, وأنه فوق
" وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد "
وقال الذي آمن معيدا نصيحته لقومه : يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب.
" يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار "
يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعم الناس فيها قليلا, ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا
" من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "
من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى, فلا يجزى في الآخرة إلا عقابا يساوي معصيته, ومن أطاع الله وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ذكرا كان أو أنثى, وهو مؤمن بالله موحد له, فأولئك يدخلون الجنة, يرزقهم الله فيها من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب.
" ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار "
ويا قوم كيف أدعوكم إلى الإيمان بالله واتباع رسوله موسى, وهي دعوة تنتهي بكم إلى الجنة والبعد عن أهوال النار, وأنتم تدعونني إلى عمل يؤدي إلى عذاب الله وعقوبته في النار؟
" تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار "
تدعونني لأكفر بالله, وأشرك به ما ليس لي به علم أنه يستحق العبادة من دونه- وهذا من أكبر الذنوب وأقبحها- وأنا أدعوكم إلى الطريق الموصل إلى الله العزيز في انتقامه, الغفار لمن تاب إليه بعد معصيته.
" لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله
حقا أن ما تدعونني إلى الاعتقاد به لا يستحق الدعوة إليه, ولا يلجأ إليه في الدنيا ولا في الآخرة لعجزه ونقصه, واعلموا أن مصير الخلائق كلها إلى الله سبحانه, وهو يجازي كل عامل بعمله, وأن الذين تعدوا حدوده بالمعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار.
" فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد "
فلما نصحهم ولم يطيعوه قال لهم: فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم, وصوت تندمون
حيث لا ينفع الندم, وألجأ إلى الله, وأعتصم به, وأتوكل عليه.
إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد, وما يستحقونه من جزاء, لا
يخفى عليه شيء
" فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب "
فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المزمن الموفق عقوبات مكر فرعون وآله, وحل بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم.
" النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب "
لقد أصابهم الغرق أولا, وملكوا, ثم يعذبون في قبورهم حيث النار, يعرضون عيها صباح
" وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون
وإذ يتخاصم أهل النار, ويعاتب بعضهم بعضا, فجتبي الأتباع المقلدون على رؤسائهم المستكبرين الذين أضلوهم, وزينوا لهم طريق الشقاء, قائلين لهم: هل أنتم مغنون عنا
" قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد "
قال الرؤساء المتكبرون مبينين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئا من عذاب النار, وكلنا فيها
" وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب "
وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما
" قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال "
قال خزنة جهنم لهم توبيخا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء, أولم تأتكم رسلكم بالحجج الواضحة من الله فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى فتبرأ خزنة جهنم منهم
" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد "
إنا لننصر رسلنا ومن تبعهم من المؤمنين, ونؤيدهم على من آذاهم في حياتهم الدنيا, ويوم القيامة, يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذبت رسلها, فتشهد بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم, وأن الأمم كذبتهم.
" يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "
يوم الحساب لا ينتفع الجاحدون الذين تعدوا حدود الله بما يقدمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله, ولهم الطرد من رحمة الله, ولهم الدار السيئة في الآخرة, وهي النار.
" ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب "
ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من التوراة والمعجزات, وجعلنا بني إسرائيل
" هدى وذكرى لأولي الألباب "
هادية إلى سبيل الرشاد, وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار "
فاصبر- يا محمد- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعدنا حق لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودم على تنزيه ربك عما لا يليق به, في آخر النهار وأوله.
" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير "
إن الذين يخاصمون في آيات الله ودلائل قدرته, ويخلطون الدلائل الواضحة بالباطل من غير أن تكون لديهم حجة بينة, ما في صدور هؤلاء إلا كبر يحملهم على تكذيبك, وحسد منهم على الفضل الذي خصك الله به, ما هم ببالغيه, فاعتصم بالله من شرهم؟ إنه هو السميع لأقوالهم, البصير بأفعالهم.
" لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
لخلق الله السموات والأرض أكبر من خلق الناس وإعادتهم بعد موتهم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله.
" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما
وما يستوي الأعمى والبصير, وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يهتدون بهدي
الله ويقزون بوحدانيته, والجاحدون الذين يغضبونه وينكرون دلائله البينة.
قليلا ما تذكرون- أيها الناس- حجج الله, فتعتبرون, وتتعظون بها.
" إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون "
إن الساعة لآتية لا شك فيها, فأيقنوا بمجيئها, كما أخبرت بذلك الرسل, ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها, ولا يعملون لها.
" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "
وقال ربكم- أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصوني بالعبادة أستجب لكم, إن الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية, سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.
" الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "
الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؟ لتسكنوا فيه, وتحققوا راحتكم, والنهار مضيئا؟
" ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون "
الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم الذي أوجد الأشياء كلها, لا إله يستحق العبادة غيره, فكيف تعدلون عن الإيمان به, وتعبدون غيره من الأوثان, بعد أن تبينت لكم دلائله؟
" كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون "
كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه وكذبتم به, يصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بآيات الله يجحدون .
" الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من
الله الذي جعل لكم الأرض, لتستقروا فيها, ويسر لكم الإقامه عليها, وجعل السماء سقفا للأرض, وبث فيها من العلامات الهادية, وخلقكم في أكمل هيئة وأحسن تقويم, وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم والمشارب, ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم,
" هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين "
هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم.
فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين.
" قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين "
قل- يا محمد- لمشركي قومك: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله, لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي, وأمرني أن أضع وأنقاد بالطاعة التامة له, سبحانه رب العالمين.
" هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون "
هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب, ثم أوجدكم من المني بقدرته, وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ, ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام, إلى أن تولدوا أطفالا صغارا, ثم تقوى بنيتكم إلى أن تصيروا شيوخا, ومنكم من يموت قبل ذلك, ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم, ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك, تتدبرون
" هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "
هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة, فإذا قضى أمرا فإنما يقول له: " كن " , فيكون, لا راد لقضائه.
" ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون "
ألا تعجب- يا محمد- من هؤلاء المكذبين بآيات الله يخاصمون فيها, وهي واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته, كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أي شيء يذهبون بعد البيان التام؟
" الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون "
هؤلاء المشركون الذين كذبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس, فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم
" إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون "
حين تجعل الأغلال في أعناقهم, والسلاسل في أرجلهم, وتسحبهم زبانية العذاب
" في الحميم ثم في النار يسجرون "
في الماء الحار الذي اشتد غليانه وحره, ثم في نار جهنم يوقد بهم.
" ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون "
ثم قيل لهم توبيخا, وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون
" من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين "
قال المكذبون: غابوا عن عيوننا, فلم ينفعونا بشيء, ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم, وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئا, كما أضل الله هؤلاء الذين ضل عنهم
" ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون "
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة, حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام, وبما أنتم عليه من الأشر والبطر والبغي
" ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين "
ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها, فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.
" فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون "
فاصبر يا محمد, وامض في طريق الدعوة, إن وعد الله حق, وسينجز لك ما وعدك, فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب, أو نتوفينك قبل أن يحل نلك
" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون "
ولقد أرسلنا من قبلك- يا محمد- رسلا كثيرين إلى قومهم يدعونهم,
ويصبرون على أذاهم: منهم من قصصنا عليك خبرهم, ومنهم من لم نقصص عليك, وكلهم
مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم.
وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية من الآيات الحسية أو العقلية إلا بإذن
الله ومشيئته, فإذا
" الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون "
الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام؟ لتنتفعوا بها: من منافع الركوب والأكل وغيرها من
" ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون "
ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجة في صدوركم من الوصول إلى الأقطار البعيدة, وعلى هذه الأنعام تحملون في البرية, وعلى الفلك في البحر تحملون كذلك.
" ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون "
ويريكم الله تعالى دلائله الكثيرة الواضحة الدالة على قدرته وتدبيره في خلقه, فأي آية من آياته تنكرونها, لا تعترفون بها؟
" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد
أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض, يتفكروا في مصارع الأم المكذبة من قبلهم, كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عددا وعدة وآثارا في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حل بهم
" فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون "
فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلها بالدلائل الواضحات, فرحوا جهلا منهم بما عندهم
وفي الآية دليل على أن كل علم يناقض الإسلام, أو يقدح فيه, أو يشكك في صحته, فإنه مذموم ممقوت, ومعتقده ليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
" فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين "
فلما رأوا عذابنا أقروا حين لا ينفع الإقرار, وقالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله.
تعليقات
إرسال تعليق