سورة الفاتحة مكتوبة - القران الكريم Quran
من الوحي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7))
صدق الله العظيم
صفوة التفاسير للصابوني
بَيْن يَدَي
السُّورَة: هذه السورة الكريمة مكية وآياتها
سبعٌ بالإِجماع، وتسمى "الفاتحة" لافتتاح الكتاب العزيز بها حيث إِنها أول
القرآن في الترتيب لا في النزول، وهي - على قصرها ووجازتها - قد حوت معاني
القرآن العظيم، واشتملت على مقاصده الأساسية
فضْلهَا: أ - روى الإِمام أحمد في المسند أن "أبيَّ بن كعب" قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما أُنزل في التوراة ولا في الإِنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، هي السبعُ المثاني والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه" فهذا الحديث الشريف يشير إلى قوله تعالى في سورة الحجر { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } [الآية: 87].
ب - وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلَّى: "لأعلمنَّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد لله رب العالمين، هي السبعُ المثاني
التسمِيَة: تسمى "الفاتحة، وأم الكتاب، والسبع
المثاني، والشافية، والوافية، والكافية، والأساس، والحمد" وقد عدّدها
العلامة القرطبي وذكر أن لهذه السورة اثني عشر إسماً.
اللغَة: {ٱلْحَمْدُ} الثناء بالجميل على جهة التعظيم، والتبجيل مقروناً بالمحبة وهو نقيض الذم وأعمُّ من الشكر، لأن الشكر يكون مقابل النعمة بخلاف الحمد {الله} اسم علم للذات المقدسة لا يشاركه فيه غيره، قال القرطبي: هذا الاسم {الله} أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها، وهو اسم للموجود الحق، الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبية،
المنفرد بالوجود الحقيقي لا إِله إِلا هو سبحانه {رَبِّ} الربّ: مشتق من التربية وهي إِصلاح شئون الغير ورعاية أمره قال الهروي: "يقال لمن قام بإِصلاح شيء وإِتمامه: قد
ربَّه ومنه الربانيون لقيامهم بالكتب" والربُّ يطلق على عدة معان وهي "المالك،
والمصلح، والمعبود، والسيد المطاع" {ٱلْعَالَمِينَ} العالم: اسم جنس لا واحد له من لفظه كالرهط، وهو يشمل: الإِنس والجن والملائكة والشياطين كذا قال الفراء، وهو مشتق من
العلامة لأن العالم علامة على وجود الخالق جل وعلا {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} صفتان مشتقتان من الرحمة، وقد روعي في كلٍ من {ٱلرَّحْمـٰنِ} و {ٱلرَّحِيمِ} معنى لم يراع في الآخر فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة لأن "فَعْلان" صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته ولا يلزم منه الدوام كغضبان وسكران، والرحيم بمعنى دائم الرحمة لأن صيغة فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائم الإِحسان.
قال الخطابي: الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم
ومصالحهم
شحنّا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أَذلَّ من الصّراط
{ٱلْمُسْتَقِيمَ} الذي لا عوج فيه ولا انحراف {آمين} أي استجب دعاءنا وهي ليست من القرآن الكريم إِجماعاً.
التفسِير: علمنا الباري جلّ وعلا كيف ينبغي أن نحمده ونقدسه ونثني عليه بما
هو أهله
فقال {ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} أي قولوا يا عبادي إِذا أردتم شكري وثنائي الحمد لله، اشكروني على إِِِحساني وجميلي إِليكم، فأنا الله ذو العظمة والمجد والسؤدد، المتفرد بالخلق والإِيجاد، رب الإِنس والجن والملائكة، ورب السماوات والأرضين،
فالثناء
والشكر لله رب العالمين دون ما يُعبد من دونه {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} أي الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام، بما أنعم على عباده من الخلق والرزق والهداية إِلى سعادة الدارين، فهو الرب الجليل عظيم الرحمة دائم الإِحسان {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} أي هو سبحانه المالك للجزاء والحساب، المتصرف في يوم الدين تصرّف المالك في ملكه { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار: 19] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصُّك يا ألله بالعبادة، ونخصك بطلب الإِعانة، فلا نعبد أحداً سواك، لك وحدك نذلُّ
ونخضع ونستكين ونخشع، وإِيَّاك ربنا نستعين على طاعتك ومرضاتك، فإِنك المستحق
لكل إِجلال وتعظيم، ولا يملك القدرة على عوننا أحدٌ سواك {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ}
أي دلنا وأرشدنا يا رب إِلى طريقك الحق ودينك المستقيم، وثبتنا على الإِسلام الذي بعثت به
أنبياءك ورسلك، وأرسلت به خاتم المرسلين، واجعلنا ممن سلك طريق المقربين {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي طريق من تفضّلت عليهم بالجود والإِنعام، من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وَحَسُنَ أولئك رفيقاً
{غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ} أي لا
تجعلنا يا ألله من زمرة أعدائك الحائدين عن الصراط المستقيم، السالكين غير المنهج القويم، من اليهود المغضوب عليهم أو النصارى الضالين، الذين ضلوا عن شريعتك القدسية، فاستحقوا الغضب واللعنة الأبدية. اللهم آمين.البَلاَغَة: 1- {ٱلْحَمْدُ للَّهِ} الجملة خبرية لفظاً إِنشائية معنىً أي قولوا "الحمد لله" وهي مفيدة لقصر الحمد عليه تعالى كقولهم: الكرم في العرب.
2 - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيه إِلتفات من الغيبة إِلى الخطاب ولو جرى الكلام على الأصل لقال: إِيّاه نعبد، وتقديم
المفعول يفيد القصر أي لا نعبد سواك كما في قوله: { وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } [البقرة: 40] 3 - قال في البحر المحيط: وفي هذه السورة الكريمة من أنواع الفصاحة والبلاغة أنواع:الأول: حسن الافتتاح وبراعة المطلع.
الثاني: المبالغة في الثناء لإِفادة "أل" الاستغراق.
الثالث: تلوين الخطاب إِذ صيغته الخبر ومعناه الأمر أي قولوا الحمد لله.
الرابع: الاختصاص في قوله {للَّه}
الخامس: الحذف كحذف صراط من قوله {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} تقديره غير صراط المغضوب عليهم وغير صراط الضالين.
السادس: التقديم والتأخير في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
السابع: التصريح بعد الإِبهام {ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} ثم فسره بقوله: {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
الثامن: الالتفات في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
التاسع: طلب الشيء والمراد به دوامه واستمراره في {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ} أي ثبتنا عليه.
العاشر: السجع المتوازي في قوله: {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} وقوله {نَسْتَعِينُ * * ٱلضَّآلِّينَ}.
الفوَائِد: الأولى: الفرق بين {الله} و {الإِله} أن الأول اسم علم للذات المقدسة ذات الباري جل وعلا ومعناه المعبود بحق والثاني معناه المعبود بحقٍ أو باطل فهو اسم يطلق على الله تعالى وعلى غيره.
الثانية: وردت الصيغة بلفظ الجمع "نعبد ونستعين" ولم يقل "إِياك أعبد وإِياك أستعين" بصيغة المفرد وذلك للإِعتراف بقصور العبد عن الوقوف في باب ملك الملوك فكأنه يقول: أنا يا رب العبد الحقير الذليل، لا يليق بي أن أقف هذا الموقف في مناجاتك بمفردي، بل
الثالثة: نسبَ النعمة إِلى الله عز وجل {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم ينسب إِليه الإِضلال والغضب
خاتمة
في بَيَان الأسرَار القُدْسِيّة في فاتِحَة الكِتاب العَزِيز
يقول شهيد الإِسلام الشيخ حسن البنا في رسالته القيمة "مقدمة في التفسير" ما نصه: "لا شك أن من تدبَّر الفاتحة الكريمة رأى من غزارة المعاني وجمالها، وروعة التناسب وجلاله ما يأخذ بلبه، ويضيء جوانب قلبه، فهو يبتدئ ذاكراً تالياً متيمناً باسم الله،
الموصوف بالرحمة التي تظهر آثار رحمته متجددة في كل شيء، فإِذا استشعر هذا المعنى ووقر في نفسه انطلق لسانه بحمد هذا الإِله {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} وذكّره الحمد بعظيم نعمه وكريم فضله، وجميل آلائه البادية في تربيته للعوالم جميعاً، فأجال بصيرته في هذا
المحيط الذي لا ساحل له، ثمّ تذكر من جديد أن هذه النعم الجزيلة والتربية الجليلة، ليست عن رغبةٍ ولا رهبة، ولكنها عن تفضل ورحمة، فنطق لسانه مرة ثانية بـ {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} ومن كمال هذا الإِله العظيم أن يقرن الرحمن بـ "العدل" ويذكّر بالحساب بعد
الفضل فهو مع رحمته السابغة المتجددة سيُدين عباده ويحاسب خلقه يوم الدين { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار: 19] فتربيته لخلقه قائمة على الترغيب بالرحمة، والترهيب بالعدالة والحساب {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} وإِذا كان الأمر كذلك
فقد أصبح العبد مكلفاً بتحري الخير، والبحث عن وسائل النجاة، وهو في هذا أشد ما يكون حاجة إِلى من يهديه سواء السبيل، ويرشده إِلى الصراط المستقيم، وليس أولى به في ذلك من خالقه ومولاه فليلجأ إِليه وليعتمد عليه وليخاطبه بقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} وليسأله الهداية من فضله إِلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق واتباعه، غير المغضوب عليهم بالسلب بعد العطاء، والنكوص بعد الاهتداء، وغير الضالين التائهين، الذين يضلون عن الحق أو يريدون الوصول إِليه فلا
يوفقون للعثور عليه، آمين. ولا جرم أن "آمين" براعة مقطع في غاية الجمال والحسن، وأي شيء أولى بهذه البراعة من فاتحة الكتاب، والتوجه إِلى الله بالدعاء؟ فهل رأيت تناسقاً أدق، أو ارتباطاً أوثق، مما تراه بين معاني هذه الآية الكريمة؟ وتذكر وأنت تهيم
في أودية هذا الجمال ما يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.." الحديث وأدم هذا التدبير والإِنعام، واجتهد أن تقرأ في الصلاة وغيرها على مكث وتمهّل، وخشوع وتذلّل،
نونية القران
في عام 1979 م/1400هجري نظّم القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية مسابقة شعرية بمناسبة مرور 1400 سنة على هجرة النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ، فاشترك في هذه
المسابقة ألف ومائتان من الشعراء، ولم يكن الفائز الأول في حلبتها عربيا، بل كان إفريقيّا من السنغال شاعر اسمه عبدالله باه.
وفيما يلي قصيدته الفائزة والتي أسماها "نونية القرآن" .
والقصيدة تتضمن كل سور القرآن الكريم مرتبة حسب ورودها في المصحف الشريف
لله درك من شاعر
لله درك من مبدع
القصيدة :-
افتح كتاب الله إن الفاتحة
فتحٌ وبرهانٌ وسبع مثاني
بقرٌ وعمران كظلِّ سحابة
وعلى النساء موائد الرحمن
اجعل من الأنعام قُربى وارعها
في ذروة الأعراف والوديان
للهِ أنفال وآل محمدٍ
والتوبة تغشى يونس بأمان
أوما علمت بأنَّ هودا مرسل
وبأنّ يوسف أجمل الشبّان
وإذا سمعت الرعد حنَّ بصوتهِ
فاعلم بأنّ الماء ذو جريان
واسمع لإبراهيم لاتسمع لما
قد قال أهل الحِجر من نُكران
والنحل لمّا ربها أوحى لها
تاقت إلى الإسراء في الأوطان
ولقد علمنا أنّ كهفاً آمناً
وبأنَّ مريم أطهر النسوان
وبأنَّ طهَ أمَّ كلَّ الانبياء
في المسجد الاقصى بلا نقصان
وبأن حج البيت ركنٌ خامس
والمؤمنون أتوهُ في إذعان
والنور يكسوهم لحُسنِ خصالهم
ولهم كمال الوصف في الفرقان
وانهل من الشعراء علماً نافعاً
تكسب لساناً ناطقاً وبيان
واعلم بأنَّ النّمل جاء حديثها
قصصاً وبيت العنكبوت مهانِ
والروم في أدنى البلاد تدنَّسَت
واعمل بما أوصى به لقمان
واسجد لربك خاشعاً متذللاً
واحذر من احزابٍ ذوي خسران
سبأ وفاطر ثمّ ياسين بعدها
والصافات تقي من الشيطان
صادٌ تعلَّم والزمر لاتنسها
غافر ورتّل فُصِلَت باتقان
شورى فالزمها وهذا نهجنا
والزخرف احفظ لاتكُن ولهان
والساعة آتية ومن اشراطها
ماجاء في القرآن من دخّان
وبها ترى كل الخلائق جاثية
حتى قُرى الأحقاف تجتمعان
واعلم بأن محمد فتح الدُنى
والفتح الاعظم جاء بعد ثمان
وأقام في الحجرات طول حياتهِ
ومرتلاً(قافٍ) بكل أوان
والذاريات مفصلاً آياتها
والطور مسكٌ فاح في الاركان
والنجم نورٌ للخلائق تهتدي
وكذا القمر نورٌ من الرحمن
والله أخبر أن يوم الواقعة
فَصلٌ وأن الحكم للديان
جعل الحديد منزلاُ سبحانه
وسمع لخولة يوم يجتدلان
والحشر آتٍ ألف يوم طولهُ
وبه ترى الثقلان يمتحنانِ
وبه ترى الأملاك صفاً واحداً
في يوم جمعة ماله من ثانِ
واهل النفاق تهتكت استارهم
يوم التغابُن يُعرَفُ البهتان
أما الطلاق فلا تبادر لفظهُ
واجعلهُ كالتحريم في الميزانِ
والمُلك لله والقلم مخلوقهُ
الأول تعالى خالق الثقلان
والحآقّة حقٌ ومن أسمائها
يوم المعارج يخسف القمران
نوحٌ نبيٌّ مرسلٌ من ربه
والجِنّ حق جاء في القران
وإذا المزمِّل والمدثر جاءتا
يوم القيامة يبعث الإنسان
والمرسلات أتت تبشّرُ بالنبأ
والنازعات تزلزل الابدان
عبسى من الأعمى فقال الوحي لا
لا يامحمد ياعظيم الشأنِ
وإذا أتى التكوير آن الانفطار
يتلو وللمطففين نيرانِ
وترى انشقاقاً في السما ذات البروج
والطارق الأعلى تراهُ دانِ
وترى وجوهاً ذِكرها في الغاشية
وترى طلوع الفجر في البلدان
والشمس بعد الليل تُشرِقُ بالضحى
والانشراح لفائزٍ بجنان
والتين والزيتون حلوٌ طَلعُها
وبدأ بإقرأ في العلق أمران
في ليلة القدر المبارك أُنزلَت
في الوتر لا في الشفع من رمضان
ثم توالى للرسول منجّماً
والبيّنة في قولنا برهان
وإذا رأيت الأرض حولك زلزلت
والعاديات تصيح في الميدان
لعلمت أن القارعة قد آذنت
فلما التكاثُر يا أخا العرفانِ
والعصر إن الهمز شينٌ فعلهُ
والويل للهمّاز والطعّان
والفيل أدبر في شرودٍ عندما
عجزت قُريشٌ عن حِمى الأوطان
من يمنع الماعون يحرم شربةً
من ماء نهر الكوثر السيّان
والكافرون تنكست راياتهم
والنصر يوم الفتح للإيمانِ
ولقد علمنا أنَّ تبت والمسد
ويلٌ يذوق عذابهُ الزوجانِ
فاحرص على الإخلاص والزم حبلهُ
فبغيرهِ لايقبل الاحسانِ
واعلم بأنَّ الله مالك أمرهِ
ربّ الفلق والناس والأكوان
وبذا أكون قد ختمت قصيدتي
سمّيتها نونية القرآن
تفسير السعدي
" بِسْمِ اللَّهِ " أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, لأن لفظ " اسم " مفرد مضاف, فيعم جميع الأسماء الحسنى.
" اللَّهِ " هو المألوه المعبود, المستحق لإفراده بالعبادة, لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال.
" الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين, لأنبيائه ورسله.
فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم, فله نصيب منها.
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.
فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم.
فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء.
يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم به كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء.
" الْحَمْدُ لِلَّهِ " هو الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة بين
الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه.
" رَبِّ الْعَالَمِينَ " الرب, هو المربي جميع
العالمين.
وهم من سوى الله, بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يكن لهم البقاء.
فما بهم من نعمة, فمنه تعالى.
وتربيته تعالى لخلقه.
نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, رزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكملهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة من كل شر.
ولعل هذا المعنى, هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.
فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
فدل قوله " رَبِّ الْعَالَمِينَ " على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه.
وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار.
" مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أن يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات, وأصناف الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة, يوم يدان الناس فيه بأعمالهم, خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم, يظهر
للخلق تمام الظهور, كمال ملكه وعدله وحكمته, وانقطاع أملاك الخلائق.حتى إنه يستوي في ذلك اليوم, الملوك والرعايا والعبيد والأحرار.
كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته, منتظرون لمجازاته, راجون ثوابه, خائفون من عقابه, فلذلك خصه بالذكر, وإلا, فهو المالك ليوم الدين وغيرة من الأيام.
وقوله " إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة.
لأن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور, ونفيه عما عداه.
فكأنه يقول: نعبدك, ولا نعبد غيرك, ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك.
وتقديم العبادة على الاستعانة, من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.
و " العبادة " اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة.
و " الاستعانة " هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة بهما هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور.
فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.
وإنما تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله.
فبهذين الأمرين تكون عبادة.
وذكر " الاستعانة " بعد " العبادة " مع دخولها فيها, لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى.
فإنه إن لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي.
ثم قال تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا إلى الصراط المستقيم,
وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط.فالهداية إلى الصراط, لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان.
والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا.
فهذا الدعاء, من أجمع الأدعية, وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك.
وهذا الصراط المستقيم هو " صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
" غَيْرِ " صراط " الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم.
و " لَا " صراط " الضَّالِّينَ " الذين تركوا الحق على جهل وضلال, كالنصارى ونحوهم.
فهذه السورة, على إيجازها, قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن.
فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله " رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ " اللَّهِ " ومن قوله " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " .
وتوحيد الأسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه, وقد دل على ذلك لفظ " الْحَمْدُ " كما تقدم.
وتضمنت إثبات النبوة في قوله " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.
وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " وأن الجزاء يكون بالعدل, لأن الدين معناة الجزاء بالعدل.
وتضمنت إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة, خلافا للقدرية والجبرية.
بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " لأنه معرفة الحق والعمل به.
وكل مبتدع وضال فهو مخالف لذلك.
وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى, عبادة, واستعانة في قوله: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " .
فالحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق